يأت إعلان وزير النقل في الحكومة الإسرائيلية عن نيته لتهويد أسماء القرى والمدن العربية في إسرائيل من فراغ، وهذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها اليمين الإسرائيلي لإلغاء الهوية العربية للأراضي الفلسطينية من خلال “عبرنة” أسمائها العربية التاريخية الأصيلة. فقد حاول اليمين الإسرائيلي إلغاء الأسماء العربية سابقا وفشل، لكن المحاولة الجديدة تحاول الالتفاف بدهاء على حقيقة أن القانون الإسرائيلي يعتبر اللغة العربية لغة رسمية من خلال كتابة الأسماء العبرية بالأحرف العربية واللاتينية سعيا لمحو الأسماء العربية من ذاكرة الأجيال القادمة. ورغم ذلك تقوم السلطات الإسرائيلية منذ زمن بإلغاء الأسماء العربية التاريخية وتغييرها إلى أسماء عبرية في كثير من الأحياء والمناطق، خاصة في مدينة القدس، كما حدث في مداخل حي سلوان على بعد أمتار من أسوار المسجد الأقصى الجنوبية، حيث تم تغيير اسم شارع “وادي حلوة” إلى “معاليه فاديم” واسم “وادي الربابة” إلى “جاي هينوم”. وبنفس الطريقة، طمس كثير من أسماء المناطق العربية لتستخدم مكانها أسماء مستوطنات يهودية تم بناؤها حديثا في محاولة لفرض الطابع اليهودي على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين التاريخية.
لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في تغيير الأسماء بل في محاولة تغيير الطابع الديني الإسلامي لمدينة القدس لدرجة لم تقتصر على إخلاء أحياء كاملة من سكانها العرب ومسحها بالكامل لإعادة بنائها بشكل جديد تماما، بل وصلت إلى حد تنظيم مهرجانات واحتفالات ماجنة بجوار المسجد الأقصى لتدنيس قدسية المكان وإفراغه من مدلولاته الإسلامية.
إن محاولات التهويد التي تسارعت في الفترة الأخيرة لا تطال الأسماء فقط، بل تستهدف الإنسان والبنيان والأرض، ويجب أن تتم مواجهتها بما يتناسب وطبيعة المرحلة وحساسيتها. وفي جميع الأحوال فإن تغيير اسم على لافتة أو هدم منزل على بقعة أرض لا يمكن أن يصادر تاريخ هذا المكان ويلغي أصالته، فالهوية الفلسطينية والإسلامية أقوى من أي شكل من أشكال العنصرية التي يتنافس وزراء الكيان الصهيوني في الحكومة الجديدة على إبرازها في مواقفهم سعيا وراء تحقيق مكاسب سياسية هنا وهناك. إن بقعة زيت قذرة قد تطفو على سطح الماء، لكنها لا يمكن أن تلوث نقاء أعماقه. وكذلك فإن مجرد لافتات تحمل أسماء عبرية لا يمكن لها أن تلغي تاريخ شعب وأصالة وقدسية المكان. لقد حاول الصليبيون سابقا على مدى قرون أن يغيروا حقائق ومعالم بيت المقدس، لكنهم خرجوا وعاد المكان إلى سابق عهده. وسيبقى المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى ما بقي مسلم على وجه الأرض مهما عبثت به أقلام ومعاول التهويد.
نقل عن شبكة الرباط الفلسطينية